كيف يمكن أن نجعل الألة تفكر؟
هل يمكننا جعل الألة تفكر؟ هذا هو الحلم الذي راود العلماء حين بدأت الحواسيب و لغات البرمجة في الظهور. و مع التقدم الكبير جدا الذي نعيشه اليوم في مختلف المجالات العلمية و التقنية و التكنولوجية إلا أن جعل الألة تفكر ذاتيا مازال يعاني الكثير من الصعوبات رغم وجود مجال و تخصص علمي بأكمله خاص بهذه النقطة بالذات و هو الذكاء الإصطناعي.
العقل البشري مهما كانت قوته لا يمكنه فهم الأشياء إلا بوجود نمادج معروفة يقيس عليها و يقارن بها أو أشياء معنوية قابلة للإدراك و التخيل. و التفكير البشري أحد أصعب و أعقد الأشياء في هذا العالم. فنحن إلى حد الأن مازلنا لم ندرك ماهية التفكير ولا طريقته و أسلوبه و لكن نمارسه بشكل فطري و طبيعي فينا برغم حجم الكتابات الفلسفية و العلمية التي تطرقت إليه. كوننا لم نستطيع نحن فهم أنفسنا كيف نمارس عملية التفكير يصعب علينا بالتالي نقل عملية التفكير للألات، لكن هذا لا يعني عدم وجود محاولات لذلك أو يجب أن نتوقف عن البحث في هذا الموضوع.
أود أن أقدم لكم بعض الأمثلة عن كيفية تفكير الإنسان و تصرفه، مثلا أنا جالس في حديقة البيت و طلبت من أخي أن يذهب إلى غرفتي و يحضر لي كتاب “شروط النهضة” للمفكر الجزائري مالك بن نبي، و قلت له ستجده على سطح مكتبي! و بفعل عامل خارجي، شخص ما أو الرياح التي تأتي من النافذة سقط الكتاب على الأرض و لما دخل أخي و لم يجد الكتاب على سطح المكتب و رآه على الأرض حمله و أحضره إلي! و كل واحد فينا سيتصرف بهذا الشكل و بسهولة ندرك أن أهم ما طلب منا هو إحضار الكتاب بالعنوان المحدد و تحديد المكان على سطح المكتب كان للمساعدة فقط، و لو كنت أنت مكان أخي و لم تجد الكتاب على سطح المكتب و لا على الأرض فسوف تبحث في الأدراج أو الخزانة أليس كذلك؟ لأنك تعرف أن الكتاب داخل الغرفة و أهم طلب موجه إليك هو إحضار الكتاب و أنت تقوم بهذا الإجراء التلقائي كونك تضع إحتمال أني ربما نسيت مكان الكتاب بالتحديد و قلت عن طريق الخطأ أنه على سطح المكتب! أو أنك لا ترغب في العود من دون الكتاب ثم يعاد إرسالك للبحث مرة ثانية ?. أيضا لو وجدت صخرة في طريقك مثلا و لكي تمر عليك أن تتسلق هذه الصخرة العالية فأنت ستقوم بالبحث عن أشياء تساعدك في هذه العملية. فهل هذه الأشياء معرفة لك من قبل؟ بالتأكيد لا، فأنت لو وجدت قطع من الخشب ستعمل منها شيء يساعدك و كذلك بالنسبة لقطع معدنية أو صخور صغيرة لتصعد عليها أو حبال أو بقايا هياكل ألات و غيرها من الأشياء التي لا تعد و لا تحصى. الأن ضع نفسك في مكان المبرمج فهل يمكن أن نحدد للروبوت كل هذه للتفاصيل؟ إذا وجد قطع من الخشب بشكل كافي نحدد له كيف يحاول تشكيلها بشكل سلم و إلا يكيفها بشكل يساعده على الصعود فوق الصخرة! و كذلك مع الأشياء الأخرى و قبل ذلك على الربوت أن يتعرف على هذه الأشياء و خصائصها قبل إستعمالها فنحن يمكننا أن نصنع ربوت يتعرف على الخشب لكن أن يتعرف في نفس الوقت على ألاف الأشياء الموجودة في الطبيعة فهذا شبه مستحيل و كذلك بالنسبة للمثال الأول، فمن الصعب أن نستطيع برمجيا تحديد أهم شيء طلب منا و لا التصرف التلقائي من أجل تحقيق الهدف الذي طلب منها كأن ينظر الربوت للأرض إذا لم يجد الكتاب على سطح المكتب أو ينتبه للبحث في الأدراج.
جعل الربوت يتصرف مثل الإنسان في أحد الميثالين السابقين فقط يحتاج إلى مليارات من السطور البرمجية و إلى حجم هائل من سعة تخزين البيانات لحفظ جميع المعارف و خصائص الأشياء و إلى معالجات فائقة السرعة من أجل تنفيذ كل تلك العمليات في الوقت المطلوب! أنا هنا أقف مندهشا أمام عظمة العقل البشري. سواء من طريقة التصرف أو سعة تخزين المعلومات أو سرعة التنفيذ.
لنفترض أننا مثلا نستطيع التطوير و العمل على صناعات ذاكرت بسعات تخزين ضخمة و اليوم سعة التخزين لم تعد تشكل هاجسا مؤقتا و كذلك بالنسبة للمعالجات، ففي المخابير البحثية قد تصل سرعة المعالج إلى حدود 4 جيغاهرتز و رغم هذا الإنجاز المدهل إلا أنه بطيئ جدا بالنسبة للعقل البشري كالفرق بين الأرنب و السلحفاة حتى و إن كنا نحن نعمل في حياتنا اليومية بمعالجات سرعتها نصف سرعة هذا المعالج بالتقريب و حققنا كل هذا التطور و التقدم.
بعد أن تجاوزنا مشكلة سعة التخزين و سرعة المعالجات كفرضية مؤقتة نتجه إلى أسلوب التفكير. نحن نعلم أن الإنسان أمضى سنوات في صغره و هو يتعلم و قد تعلم اللغة حرفا بحرف و كلمة بكلمة و كذلك مع باقي الأشياء، لكن هناك إن صح التعبير شيء ما يبرمج عقل الإنسان على الخبرات الجديدة، الأبوان فقط يقدمان معلومة للطفل أو أسلوب تصرف كأن يعلماه أن يغسل يديه مثلا قبل الطعام فالطفل تدريجيا يدرك هذه المهارة و يعممها على جميع حالات تناول الطعام و بعد إكتساب هذه المهارة سوف ينتقل إلى مهارة جديدة و نحن فقط نوجهه عن طريق الكلام و ليس هناك كود برمجي نضعه في عقل الطفل حتى يخزن الكلمات الجديدة و المعلومات و المهارات. أليس هذا الأمر مذهلا؟ ماذا لو صنعنا مبرمجا أليا أولا قبل التوجه نحو عملية صناعة التفكير و الذكاء؟ أليس هذا حلا للربوتات لكي تبرمج و تضيف أكواد جديدة لنفسها للتأقلم مع المعلومات و الخبرات الجديدة؟ فعندما يعود الربوت إلي و يخبرني أنه لم يجد الكتاب على سطح المكتب أنا أقول له : ربما هو في الدرج لماذا لم تنظر هناك؟ فهو سيقوم بإضافة كود برمجي لتجاوز هذا الخطأ و عدم تكرراه مرة أخرى عن طريق المبرمج الذاتي. و أيضا في مثال الصخرة و عندما أنظر حولي أقول : واوووو هذه أشجار عنب و يمكننا صنع حبل من أغصانها و هو سيضف هذه المعلومة إلى قاعدة بياناته و كود برمجي لكيفية صنع حبل من أغصان شجرة العنب عن طريق المبرمج الذاتي. و هكذا بعد مدة سيتعلم الربوت تلقائيا و ذاتيا و يتطور كوده البرمجي و تتوسع قاعدة بياناته حتى يصل إلى مرحلة متقدمة، فالإنسان حتى يكون راشدا يحتاج 20 سنة كاملة لذلك، فماذا عن ربوت نصبر عليه 20 سنة و بعدها ننسخ كوده البرمجي النهائي و قاعدة بياناته لملايين الروبوتات الأخرى و في يوم واحد يصير معنا الملايين من الربوتات الذكية بعد أن صبرنا 20 سنة.
أليس الأمر مهما و يحتاج إلى تفكير طويل؟