مقالات

جهاز البيجر ما هو وكيف إستعملته إسرائيل كسلاح ضدد حزب الله

أجهزة البيجر (Pager) هي واحدة من الأجهزة الإلكترونية التي كانت تستخدم بشكل واسع في القرن العشرين كوسيلة للتواصل عن بُعد قبل انتشار الهواتف المحمولة. البيجرات كانت تُستخدم في المقام الأول لإرسال الرسائل القصيرة بين الأفراد في مختلف الأماكن. ورغم أن التقنية قديمة نسبياً، فإنها شهدت استخدامات متعددة في مختلف القطاعات من الرعاية الصحية إلى الأعمال التجارية وحتى الاستخدامات العسكرية والاستخباراتية.

إلى جانب الاستخدامات الطبيعية لأجهزة البيجر، كان لهذه الأجهزة دور في الصراعات الاستخباراتية والأمنية. ومن الأمثلة البارزة على ذلك هو استخدامها في النزاعات الإسرائيلية مع حزب الله في لبنان. يقال إن إسرائيل قامت بتفخيخ أجهزة البيجر لدى عناصر من حزب الله كجزء من حربها الاستخباراتية، مما دفع حزب الله إلى تطوير تقنيات لفحص الأجهزة بعناية قبل استخدامها.

تاريخ أجهزة البيجر وكيفية عملها

نشأة البيجر

تم اختراع أجهزة البيجر في الأربعينيات من القرن العشرين وكانت تستخدم في الأصل لأغراض محددة في المؤسسات الطبية والمهنية. مع الوقت، تطورت الأجهزة وأصبحت شائعة لدى العامة، حيث استخدمت في المستشفيات، الشركات التجارية، وحتى لدى الأفراد كوسيلة لتلقي رسائل قصيرة من المتصلين.

طريقة عمل البيجر

أجهزة البيجر تعتمد على نظام استقبال لاسلكي يمكنها من تلقي رسائل قصيرة عبر موجات الراديو. يتكون النظام من مرسل ومستقبل. المرسل يُستخدم لإرسال الرسالة إلى محطة إرسال لاسلكية، والتي تقوم بدورها بإرسال الرسالة عبر موجات الراديو إلى البيجر. يتم استقبال الرسالة في البيجر بواسطة هوائي صغير داخل الجهاز، ويقوم الجهاز بإشعار المستخدم من خلال الاهتزاز أو الصوت.

تعمل أجهزة البيجر في الغالب على نطاقات التردد اللاسلكي (RF) ما بين 150 ميغاهيرتز و 900 ميغاهيرتز، وهي ترددات تسمح بنقل البيانات لمسافات بعيدة.

أنواع البيجر

هناك عدة أنواع من البيجرات تم تطويرها بمرور الزمن:

  1. بيجرات التنبيه الصوتي: هذه الأجهزة تُصدر صوتاً أو تهتز عند تلقي رسالة، ويتم عرض رقم الاتصال أو رمز معين للمستخدم.
  2. بيجرات الرسائل النصية: هذه الأجهزة تعرض نصاً على شاشة صغيرة، وهي الأكثر تقدماً وتسمح باستقبال رسائل قصيرة.
  3. بيجرات الإرسال الثنائي: هذه الأجهزة تُمكن المستخدم من إرسال واستقبال الرسائل النصية، ولكنها كانت محدودة نسبياً من حيث الأداء مقارنة بالهواتف المحمولة الحديثة.

تفخيخ أجهزة البيجر: السياق التاريخي

أجهزة البيجر في الصراع بين إسرائيل وحزب الله

في سياق الحرب الاستخباراتية الطويلة بين إسرائيل وحزب الله، كان لأجهزة الاتصال التقليدية، بما فيها أجهزة البيجر، دورٌ بالغ الأهمية. ففي سبتمبر 2024، تعرضت مناطق في الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان لانفجارات متزامنة لأجهزة البيجر التي كانت بحوزة عناصر حزب الله، مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة أكثر من 2800 آخرين بجروح، معظمها في اليدين. هذه التفجيرات دفعت المصادر اللبنانية إلى توجيه أصابع الاتهام نحو إسرائيل، التي يُعتقد أنها قامت بعملية تفجير مبرمجة لهذه الأجهزة.

استخدام البيجرات من قبل حزب الله

رغم الانتشار الواسع للهواتف الذكية والأجهزة الحديثة، لا يزال استخدام أجهزة البيجر قائماً في بعض الأوساط التي تتطلب أماناً واتصالاً غير قابل للتعقب بسهولة. يتميز البيجر بقدرته على العمل في البيئات التي قد تكون فيها تغطية الهواتف الذكية ضعيفة أو معدومة، كما أن اعتماده على موجات الراديو التقليدية يجعله أقل عرضة للاختراقات التقنية مقارنة بالأجهزة الذكية.

عملية تفخيخ أجهزة البيجر

تشير التقارير إلى أن إسرائيل استخدمت أسلوباً تقنياً جديداً عبر تفخيخ أجهزة البيجر الحديثة التي استلمها حزب الله في الأشهر الأخيرة. يُعتقد أن التفخيخ تم إما عبر زرع عبوات ناسفة صغيرة داخل الأجهزة أو من خلال التلاعب بالترددات التي تعمل عليها هذه الأجهزة. عندما استُخدمت هذه الأجهزة، تم تفعيلها عن بُعد لتنفجر في توقيت متزامن، مما أدى إلى وقوع خسائر بشرية كبيرة في صفوف العناصر والمارة.

احتمالية “الهجوم السيبراني”

رغم أن التفخيخ المادي كان هو الأسلوب الرئيسي المستخدم، إلا أن بعض المصادر العسكرية رجحت أن تكون إسرائيل قد استخدمت تكنولوجيا سيبرانية لاختراق الترددات التي تعمل عليها هذه الأجهزة وتفجيرها عن بُعد. هذا النوع من الهجمات يتطلب جمع معلومات دقيقة عن الشبكة التي يعمل عليها جهاز البيجر، ومن ثم استخدام إشارات موجهة للتحكم في الجهاز بشكلٍ لا يُكشف.

سبب استمرار استخدام أجهزة البيجر

أحد الأسباب التي تجعل البيجرات لا تزال مستخدمة من قبل حزب الله وبعض الجهات العسكرية والتنظيمات الأخرى هو صعوبة تعقبها مقارنة بالأجهزة الذكية. تعمل أجهزة البيجر بدون الحاجة إلى بطاقة SIM، ولا تعتمد على شبكات الهاتف المحمول، مما يجعل تعقبها أو اعتراض إشاراتها أكثر صعوبة. إلى جانب ذلك، فإن استخدام موجات الراديو في المناطق الريفية أو النائية يجعل البيجر أكثر موثوقية من الهواتف الذكية التي قد تعاني من ضعف التغطية.

كيفية تجنب تفخيخ الأجهزة

يجب على أي جهة تعتمد على أجهزة البيجر أو الأجهزة اللاسلكية المشابهة اتخاذ احتياطات أمان إضافية لضمان عدم تفخيخها أو اختراقها. تشمل بعض الخطوات الأساسية:

  • الفحص الفيزيائي: قبل استخدام أي جهاز، يجب فحصه بواسطة أجهزة الكشف عن المعادن أو العبوات الناسفة.
  • التشفير والترددات المخصصة: يجب استخدام ترددات مشفرة وغير معروفة لتقليل احتمالية اعتراضها.
  • الفحص الدوري: ينبغي على الفرق التقنية القيام بفحص دوري للأجهزة لضمان عدم وجود تلاعب أو برمجة غير مرغوب فيها.

استخدام إسرائيل لتفخيخ البيجر

خلال الصراع المستمر بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، برزت الحرب الاستخباراتية كجزء أساسي من العمليات العسكرية. وفقاً لتقارير مختلفة، استخدمت إسرائيل العديد من الأساليب التكنولوجية لجمع المعلومات والاستخبارات ضد حزب الله، من بينها تفخيخ أجهزة البيجر التي كانت تستخدمها عناصر الحزب.

تفخيخ جهاز البيجر يتضمن وضع عبوات صغيرة جداً داخله، يتم تفجيرها عن بُعد عندما يتم تفعيل الجهاز أو عند استلام رسالة معينة. وكانت هذه التقنية جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقويض عناصر المقاومة اللبنانية من خلال استهدافهم بشكل فردي عند تلقيهم للرسائل أو المكالمات.

عملية الكشف عن الأجهزة المفخخة

لم يكن من السهل اكتشاف أن أجهزة البيجر قد تم تفخيخها. إلا أن حزب الله، الذي يتمتع بقدرات استخباراتية متقدمة، بدأ بتطوير أساليب للكشف عن هذه الأجهزة المفخخة قبل استخدامها. تضمنت هذه الإجراءات استخدام أجهزة خاصة للكشف عن المعادن أو العبوات الناسفة الصغيرة، وكذلك إجراء فحص دقيق لكل جهاز قبل استخدامه في الميدان.

الكشف عن البيجر المفخخ تطلب أيضاً فحص الدوائر الكهربائية داخل الجهاز، حيث كانت العبوات الناسفة مدمجة بشكل متقن داخل مكونات الجهاز الإلكتروني، مما يجعل عملية الكشف أكثر تعقيداً.

تفادي تفخيخ الأجهزة

لتفادي تفخيخ أجهزة البيجر وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، طورت بعض المنظمات والجهات آليات خاصة لفحص الأجهزة قبل استخدامها. تضمنت هذه الآليات:

  • فحص الأجهزة باستخدام أجهزة الكشف عن المعادن: الأجهزة المفخخة غالباً ما تحتوي على مكونات معدنية يمكن اكتشافها باستخدام أجهزة الكشف عن المعادن المتطورة.
  • الفحص البصري: أحياناً، يمكن للفحص البصري للمكونات الداخلية للأجهزة أن يكشف عن أي تلاعبات أو مواد مضافة.
  • استخدام أنظمة تشويش: بعض الجهات تستخدم أنظمة تشويش لاسلكية لمنع استقبال الإشارات المستخدمة لتفعيل العبوات الناسفة عن بُعد.

هل يعتبر ما حدث اختراق سيبراني

ما حدث من تفخيخ أجهزة البيجر لدى حزب الله من قبل إسرائيل لا يعتبر اختراقاً سيبرانياً بالمعنى التقليدي لمفهوم الهجمات السيبرانية. الاختراق السيبراني يشير عادة إلى الهجمات التي تستهدف الأنظمة الإلكترونية والشبكات من خلال استخدام البرمجيات الخبيثة أو القرصنة للحصول على معلومات أو تعطيل الخدمات.

تفخيخ أجهزة البيجر يُعتبر نوعاً من الهجمات المادية أو الاستخباراتية وليس هجوماً سيبرانياً. فهو يعتمد على إدخال مواد أو عبوات ناسفة داخل الأجهزة بدلاً من مهاجمة الأنظمة الرقمية أو الإلكترونية عبر الإنترنت أو الشبكات. هذه العملية تتطلب تلاعباً فيزيائياً بالأجهزة نفسها لتكون قاتلة أو مدمرة عند استخدامها، وهو مختلف عن الهجمات السيبرانية التي تعتمد على تعطيل الأنظمة عن بُعد.

إلا أن التفخيخ قد يرتبط بأشكال أخرى من الحرب الإلكترونية أو الأمنية التي تهدف إلى استهداف أفراد أو مجموعات معينة، مما يعكس طيفاً أوسع من العمليات الاستخباراتية التي تجمع بين الأساليب التقليدية والتكنولوجية.

إمكانية تفخيخ أجهزة أخرى غير البيجر

هل يمكن تفخيخ الأجهزة الأخرى؟

تفخيخ الأجهزة الإلكترونية ليس محصوراً فقط على أجهزة البيجر. في الواقع، يمكن تفخيخ العديد من الأجهزة الأخرى، بما في ذلك الهواتف المحمولة، أجهزة الكمبيوتر، وحتى الأدوات المنزلية اليومية. يعتمد ذلك على خبرة الفاعل في التكنولوجيا والتفجير وكيفية دمج العبوات الناسفة داخل الأجهزة دون أن تُكتشف.

أمثلة على الأجهزة الأخرى التي يمكن تفخيخها

  1. الهواتف المحمولة: تعتبر الهواتف المحمولة هدفاً سهلاً للتفخيخ بسبب تعقيداتها الداخلية والفرص المتاحة لإدراج مواد متفجرة داخل هيكلها.
  2. أجهزة الكمبيوتر المحمولة: يمكن تفخيخ أجهزة الكمبيوتر المحمولة من خلال إدخال عبوات ناسفة صغيرة داخل البطاريات أو المكونات الإلكترونية الأخرى.
  3. الأجهزة الإلكترونية الأخرى: مثل الأجهزة اللوحية، مشغلات الموسيقى، وحتى الألعاب الإلكترونية يمكن أن تكون هدفاً للتفخيخ في حال كانت الظروف ملائمة.

كيفية تجنب تفخيخ الأجهزة الإلكترونية

  1. الفحص الدقيق: كما هو الحال مع البيجرات، يجب فحص جميع الأجهزة الإلكترونية بدقة قبل استخدامها، خاصة في بيئات يمكن أن تتعرض فيها للعبوات الناسفة مثل مناطق النزاع.
  2. استخدام أنظمة الأمان: يمكن استخدام أنظمة أمان متقدمة للكشف عن أي تلاعبات في الأجهزة قبل استخدامها.
  3. تعزيز التوعية: التدريب والتوعية حول كيفية اكتشاف الأجهزة المفخخة يمكن أن يساعد في تقليل المخاطر.
  4. استخدام التقنيات الحديثة: تطوير أجهزة ذكية مزودة بحساسات للكشف عن أي مواد مشبوهة داخل الأجهزة الإلكترونية.

الخلاصة

أجهزة البيجر لعبت دوراً مهماً في التاريخ الحديث، سواء في المجالات المهنية أو العسكرية. ومع ذلك، فإن استخدام هذه الأجهزة في العمليات الاستخباراتية وتفخيخها لأغراض أمنية قد ألقى بظلاله على كيفية استخدام التكنولوجيا في الحروب الحديثة. تجربة حزب الله في مواجهة تفخيخ البيجرات تعتبر مثالاً بارزاً على التطور الأمني والاستخباراتي في التعامل مع التهديدات التكنولوجية.

يمكن القول إن التفخيخ ليس مقتصراً على البيجرات فقط، بل يمكن أن يمتد ليشمل مجموعة واسعة من الأجهزة الإلكترونية، مما يستدعي الحذر المستمر واستخدام وسائل التكنولوجيا المتقدمة للكشف عن هذه التهديدات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

هذا المحتوى محمي من النسخ لمشاركته يرجى استعمال أزرار المشاركة السريعة أو تسخ الرابط !!