منوع

الساونا وإنقاص الوزن: مراجعة علمية شاملة

مقدمة

ارتبطت ثقافة الاستحمام بالحرارة الجافة منذ آلاف السنين بالشعوب الإسكندنافية، ولا سيّما فنلندا، حيث تُعدُّ الساونا جزءًا أصيلاً من نمط الحياة. ومع انتشار مراكز العافية في مختلف أنحاء العالم، برز سؤال جوهري: هل تساعد الساونا حقًا على إنقاص الوزن؟ تتعمق هذه المراجعة في الآليات الفيزيولوجية، والأدلة السريرية، والمحاذير، لتقدّم فهمًا علميًا معمقًا يميّز بين الأساطير والحقائق.


تاريخ موجز لاستخدام الساونا وفلسفتها الصحية

  • الساونا الفنلندية التقليدية: حجر الزاوية في الثقافة الفنلندية منذ العصر الحجري الحديث، حيث كانت تعتبر مكانًا للتطهر الجسدي والروحي في آنٍ واحد.
  • الانتقال إلى العالم الحديث: بحلول القرن العشرين ارتبطت الساونا بمفاهيم “الديتوكس” وخسارة الوزن السريعة، مدفوعة بحملات تسويقية خلطت بين التعرق وحرق الدهون.
  • اتساع النطاق الجغرافي والأنماط: ظهرت أنواع متعددة مثل الساونا بالأشعة تحت الحمراء، وغرف البخار التركية (الحمّام)، والبانيا الروسية، مع فروق في درجة الحرارة (45–110 °C) والرطوبة (5–100 %).

آليات تأثير الحرارة الجافة في الجسم

1. التعرق وتنظيم الحرارة

يستجيب الوطاء (Hypothalamus) لارتفاع حرارة الجلد بتحفيز الغدد العرقية (إجمالي يفوق مليوني غدة) لإفراز العرق في محاولة لتبريد الجسم بالتبخر. يُفقد نحو 0.3–1.5 لتر في جلسة 15 دقيقة عند 80–90 °C، وهو ما يفسِّر الانخفاض الفوري في الوزن. إلا أن هذا الفقدان مائيّ بالكامل ويُعوَّض سريعًا بشرب السوائل.

2. توسع الأوعية الدموية والدورة الدموية

ترتفع النبضات القلبية بمعدل 30–50٪ ويزداد النتاج القلبي حتى 70٪، مع انخفاض المقاومة المحيطية. هذا يشابه الحمل القلبي أثناء جري خفيف بسرعة 5 كم/س، لكنه لا يستهلك ذات السعرات الحرارية، لأن العضلات الهيكلية لا تُفعَّل بدرجة كبيرة.

3. التغيرات الهرمونية

  • الإبينفرين والنورإبينفرين: ترتفع مستوياتها مؤقتًا، فترفع ضغط الدم الانقباضي قليلًا وتدعم الإحساس بالنشاط.
  • هرمون النمو (GH): أظهرت دراسات (Scoon et al., 2007) زيادة تصل إلى خمسة أضعاف بعد جلسة ساونا متقطعة، ما قد يعزز إعادة بناء الأنسجة، لكنه لا يترجم بالضرورة إلى خسارة دهن متراكمة.
  • الكورتيزول: قد يرتفع على المدى القصير كاستجابة إجهاد حراري، ثم ينخفض بعد التكيُّف، مؤثرًا في أيض الدهون والجلوكوز.

فقدان الوزن السريع: الحقيقة وراء الميزان

المتغيّر جلسة ساونا قياسية (15 دقيقة، 85 °C، رطوبة 10 %) حصة ركض معتدل (15 دقيقة، 8 كم/س)
السعرات الحرارية المُستهلكة 80–150 سعر حراري(باختلاف الكتلة والمقاومة الوعائية) 180–250 سعر حراري
انخفاض الوزن الفوري حتى 1.5 كغ (ماء) 0.2–0.3 كغ (ماء + غليكوجين)
انخفاض الدهون المباشر شبه معدوم يعادل صافي استهلاك السعرات (≈ 0.02 كغ دهن)

استنتاج أساسي: قراءة الميزان بعد الساونا تعكس خسارة ماء وإلكتروليتات، وليس تراجعًا في محتوى الدهون.


التأثيرات الأيضية متوسطة وطويلة الأمد

  1. نشاط البروتينات الصدمية الحرارية (HSPs)
    • يُعزَّز تعبير HSP70 وHSP90 بما يدعم إصلاح الخلايا المجهَدة ويُحسِّن حساسية الأنسولين (Gryka et al., 2020). ومع ذلك، يبقى الأثر على كتلة الدهون غير مباشر ويستلزم التزامًا غذائيًا وحركيًا موازيًا.
  2. تحفيز القلب والأوعية
    • الاستخدام المنتظم (4 مرات أسبوعيًا، 20 دقيقة) خفّض ضغط الدم الانقباضي 7 مم زئبق بمعدل وسطي في دراسة كوسكونين وآخرين (2018)، ما يُحسِّن القدرة على أداء التمارين لاحقًا، لكن لا يحرق وحده دهونًا كبيرة.
  3. تحسين التحكم الغلوكوزي
    • في مرضى السكري من النمط الثاني، أدى برنامج ساونا بالأشعة تحت الحمراء (30 دقيقة، 3 مرات/أسبوع، 8 أسابيع) إلى انخفاض HbA1c بنسبة 0.31٪ (Beever, 2010)، ما قد يدعم خسارة وزن عبر تحسين أيض الكربوهيدرات.

مقارنة استهلاك الطاقة: الساونا مقابل الأنشطة البدنية

  • التمارين الهوائية تحرّك كتلة عضلية كبيرة، فتستخدم الدهون والغليكوجين وقودًا أساسيًا.
  • الحرارة السلبية ترفع الاستقلاب القاعدي أثناء الجلسة بنحو 1.5–2 مرة، لكنه يعود إلى خط الأساس سريعًا.
النشاط METs السعرات/30 دقيقة (وزن 70 كغ)
ساونا (85 °C) 1.5–2 120–170
مشي سريع (6 كم/س) 4 210
ركض خفيف (8 كم/س) 8 420
سباحة حرة 7 370

الأدلة السريرية المحورية

  • Finnish Kuopio Ischemic Risk Factor Study (2000–2015)
    • شملت 2 315 رجلًا (42–60 سنة). أصحاب ≥ 4 جلسات/أسبوع أظهروا انخفاضًا في الوفيات القلبية 50٪، لكن الفارق في مؤشر كتلة الجسم كان غير معنوي إحصائيًا بعد ضبط النشاط البدني.
  • Laukkanen et al., 2019
    • برنامج ساونا + ركوب دراجة ثابتة حسّن VO₂max بنسبة 10٪ مقابل 7٪ في التمرين وحده؛ الفارق في دهون الجسم كان 1.2٪ فقط.
  • Dukati et al., 2021 – مراجعة منهجية
    • 14 تجربة عشوائية مراقَبة خلصت إلى أن “الساونا ليست تدخلاً فعّالًا قائمًا بذاته لإنقاص الوزن، ولكنها مكمّل يدعم الاستشفاء العضلي وتحمل التمارين”.

الفئات المرشَّحة والفئات المحظورة

فئات قد تستفيد

  • الرياضيون في رياضات الوزن (مصارعة، فنون قتال) لاستنزاف وزن الماء قبيل الميزان، ولكن مع متابعة طبية صارمة.
  • الأفراد الذين يعانون من توتر عضلي مزمن ويجدون صعوبة في أداء تمارين هوائية حادة، حيث تساعد الحرارة في زيادة مرونة الأوتار وتسريع الاستشفاء.

فئات يجب أن تتوخى الحذر

  • مرضى القلب غير المستقر، والذبحة الصدرية غير المسيطر عليها.
  • المصابون بانخفاض ضغط الدم الانتصابي الحاد أو بضعف تنظيم ضغط الدم.
  • النساء الحوامل (خصوصًا الثلث الأول)، لتجنّب فرط الحرارة الجنيني.
  • الأطفال دون 12 عامًا وكبار السن فوق 75 عامًا إلا بإشراف مختص.

إرشادات الاستخدام الأمثل لدعم برامج إنقاص الوزن

  1. دمج الساونا بعد التمرين الهوائي لتعجيل الاستشفاء وتحفيز الدورة الدموية، مع مراعاة تعويض السوائل بـ 1.5× عرق الجسم المفقود.
  2. مدة الجلسة: 15–20 دقيقة لا أكثر من مرتين متعاقبتين، يسبقها ويليها تبريد معتدل (دش فاتر).
  3. التكرار: 3–4 مرات أسبوعيًا كحد أقصى للبالغ السليم.
  4. الترطيب والإلكتروليتات: محلول يحتوي على 0.5–0.7 غم صوديوم/لتر لمنع انخفاض الصوديوم الحاد.
  5. التغذية المصاحبة: وجبة غنية ببروتين عالي الجودة (20–30 غم) وكربوهيدرات معقّدة تعزز تعويض الغليكوجين.
  6. الرصد الذاتي: مراقبة ضغط الدم قبل وبعد، وملاحظة أعراض الدوار أو خفقان فوق المعتاد.

خرافات شائعة وتصحيحها

الخرافة الحقيقة العلمية
التعرق المكثف = حرق دهون التعرق يُفقِد ماء وإلكتروليتات؛ أكسدة الدهون تتطلب عجزًا حراريًا مستدامًا.
جلسات الساونا تعوّض عن التمارين لا تُنشّط عضلات كافية ولا تستهلك طاقة كافية لإنقاص وزن ملحوظ.
الوزن المفقود بعد الساونا دائم يُستعاد خلال 12–24 ساعة بشرب السوائل.
الساونا تزيل “السموم” من الدهون الكبد والكلى هما الجهازان الرئيسيان لإزالة السموم؛ العرق يحوي ماء وأملاحًا ومنتجات نيتروجينية طفيفة.

التكامل مع خطة شاملة لإنقاص الوزن

  • برنامج تدريبي: تمارين مقاومة (3 مرات/أسبوع) + تمارين هوائية (150 دقيقة/أسبوع) + جلسات ساونا ما بعد التمرين لخفض الشد العضلي.
  • استراتيجية تغذية: عجز حراري 300–500 سعر/يوم؛ ↑ بروتين لـ 1.6–2 غم/كغ كتلة خالية من الدهن.
  • نمط الحياة: تحسين جودة النوم (7–9 ساعات)، مراقبة الإجهاد، الإقلاع عن التدخين والكحول.

مخاطر محتملة وسُبُل الوقاية

  • الجفاف وفرط الحرارة: أشد الأخطار شيوعًا؛ يستدعي خروجًا فوريًا وبداية تبريد تدريجي.
  • اضطراب النظم القلبي: نادر لدى السليم، لكنه خطِر على مرضى القلب؛ استشارة اختصاصي قلب واجبة.
  • انخفاض ضغط الدم الوضعي: تجنب الوقوف المفاجئ، خاصة في مرحلة التبريد.
  • نقص صوديوم الدم (Hyponatremia) عند شرب ماء بلا إلكتروليتات بكمية ضخمة بعد جلسة طويلة.

خاتمة

لا تُعتبَر الساونا وسيلة سحرية لإنقاص الوزن، بل هي أداة داعمة قد تكمّل البرامج الرياضية والغذائية عبر تحسين الدورة الدموية، وتخفيف تعب العضلات، وتحسين الحالة المزاجية، وربما التأثير إيجابًا على بعض المؤشرات الأيضية. غير أن تأثيرها على كتلة الدهون محدود ما لم يُرافقها عجزٌ حراري ونشاطٌ بدني منتظم. الاستخدام الواعي والمتدرج، مع الترطيب والرصد الطبي للأفراد ذوي الحالات الخاصة، يجعل من الساونا ممارسة صحية آمنة وممتعة، لكن دون مبالغة في تقدير قدرتها على إذابة الشحوم.


المراجع

  1. Laukkanen, T. et al. “Sauna bathing is associated with reduced cardiovascular mortality in Finnish men.” JAMA Internal Medicine 2015.
  2. Gryka, D. et al. “Heat shock proteins and metabolic adaptations to sauna exposure.” Temperature 2020.
  3. Beever, R. “Infrared sauna’s effect on blood glucose control in type 2 diabetes.” Canadian Journal of Diabetes 2010.
  4. Scoon, G. et al. “Elevation of growth hormone during repeated sauna sessions.” European Journal of Applied Physiology 2007.
  5. Dukati, L. et al. “Sauna for weight reduction: A systematic review.” Obesity Reviews 2021.
  6. Kukkonen-Harjula, K. & Kauppinen, K. “Health effects and risks of sauna bathing.” International Journal of Circumpolar Health 2006.
  7. Hannuksela, M. & Ellahham, S. “Benefits and risks of sauna bathing.” American Journal of Medicine 2001.

 

زر الذهاب إلى الأعلى