الذكاء الاصطناعي وتَسريع إيجاد علاج لفيروس كورونا
مقدمة
أعاد تفشّي فيروس كورونا المستجد (SARS-CoV-2) تشكيل الخريطة البحثية والعلمية عالميًا، فخلق حاجة مُلحّة إلى أدوات قادرة على اختصار مسافةِ الزمن بين ملاحظة السلالة الفيروسية لأول مرة والوصول إلى علاج أو لقاح آمن وفعّال. هنا بزغ نجم الذكاء الاصطناعي بوصفه حزمة تقنيات تحليلية واستنباطية فائقة السرعة تملك القدرة على تحريك «عجلة الدواء» بسرعة غير مسبوقة؛ إذ تجمع بين القدرة الحاسوبية الهائلة، وأُطر التعلّم الآلي العميقة، والبيانات البيولوجية المتراكمة لعقودٍ من البحث الجينومي والدوائي.
1. المشهد الوبائي والبحثي قبل دخول الذكاء الاصطناعي
1-1 الفجوة الزمنية التقليدية في اكتشاف الدواء
- متوسط الفترة من التعرف على العامل الممرِض إلى طرح دواء في الأسواق تاريخيًا يصل إلى 10-15 سنة.
- معدّل النجاح الإجمالي لأدوية الأمراض المُعدية لا يتجاوز 12 % في أفضل التقديرات.
- التكاليف المباشرة وغير المباشرة لتطوير جزيء دوائي واحد قد تتخطّى 2 مليار دولار.
1-2 القيود البحثية التقليدية
- الاعتماد على الشاشات المختبرية عالية السَعة (HTS) التي تفحص ملايين الجزيئات ميكانيكيًا.
- الحاجة إلى مراحل إكلينيكية متسلسلة طويلة لاختبار السلامة والفعالية.
- محدودية القدرة البشرية على ربط الأنماط «Patterns» عبر قواعد بيانات ضخمة للتركيبات الكيميائية والبُنى البروتينية.
2. كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي صياغة دورة حياة الدواء
2-1 التعلّم العميق والتحليل البنيوي
يستخدم الذكاء الاصطناعي نماذج عصبية تلافيفية (CNNs) وازدواجية الاهتمام (Transformers) لاستقراء العَلاقات الثلاثية الأبعاد بين الذرّات في البروتينات وال-ligands، فيُقلّص نطاق الفراغ الكيميائي الذي يجب استكشافه.
2-2 نماذج التوليد العكسي (Generative Models)
- شبكات الخصومة التوليدية (GANs) تولّد مكتبات جزيئية افتراضية ذات احتمالية ارتباط عالية مع موقع الارتباط الفيروسي (Mpro، RdRp، Spike RBD).
- نماذج لغة البروتين تطبّق تقنيات BERT على تسلسل الأحماض الأمينية فتقترح طفرات مستقرّة أو ببتيدات معترِضة لارتباط الفيروس بالمُستقبِل الخلوي ACE2.
2-3 التنبؤ بالطيّ البروتيني (Protein Folding)
إطلاق AlphaFold 2 أتاح بدقّة شبه ذرّية بنية بروتينات فيروس كورونا والبروتينات البشرية المتفاعلة معه. هذه البنى المُتنبّأ بها قصّرت أشهرًا من العمل البلوري إلى ساعات.
2-4 إعادة توجيه الأدوية (Drug Repurposing)
عبر خوارزميات رسم الشبكات الدوائية-البروتينية (Graph Neural Networks) رُبطت الأدوية المعتمدة بمواضع متشابهة في البروتينات الفيروسية، ما أفضى إلى اختبار مبكر لمركبات مثل ريمدسيفير، فافيبيرافير، وإيفرمكتين.
3. معمارية البيانات التي يُغذيها الذكاء الاصطناعي
فئة البيانات | المصدر | حجم البيانات (TB) | الغرض التحليلي | أمثلة أدوات الذكاء الاصطناعي |
---|---|---|---|---|
التسلسلات الجينومية | GISAID، NCBI | > 100 | تتبّع الطفرات وظهور المتحورات | Nextstrain, Pangolin |
البنى البروتينية | PDB, AlphaFold DB | > 50 | Docking افتراضي | AlphaFold-2, RoseTTAFold |
مكتبات المركّبات | ZINC 15, PubChem | > 20 | تصميم جزيئات جديدة | DeepChem, MolGAN |
سجلات المرضى السريرية | EHRs محلية وعالمية | > 500 | التنبؤ بالمخرجات السريرية | BERT-clinical, XGBoost |
تجارب إكلينيكية | ClinicalTrials.gov | > 5 | تصميم التجارب وتحديد مؤشرات النجاح | Bayesian Adaptive Design |
4. التطبيقات العملية في سياق كورونا
4-1 اكتشاف الجزيئات المرشّحة
- Insilico Medicine طوّرت في 46 يومًا فقط جزيئًا مثبطًا لبروتياز 3CLpro باستخدام GANs.
- DeepMind نشر بسرعة الهياكل المتنبّأ بها لجميع بروتينات الفيروس، ما مهّد لتحليلات Docking شاملة.
- BenevolentAI عالج 28 مليار حقيقة علمية وحدّد «باريسيتينيب» كدَواء مُضاد للالتهاب ومُثبّط لدخول الفيروس، ونُقل إلى التجارب خلال أسابيع.
4-2 تسريع اللقاحات
- موديرنا استعملت خوارزميات تحسين تسلسل mRNA لاختيار الشيفرة الأكثر استقرارًا وترجمةً لبروتين Spike، مختصِرة مرحلة التصميم من شهور إلى أيام.
- BioNTech-Pfizer استخدمت محاكاة ترتكز على الذكاء الاصطناعي لتعديل UTRs ورفع كفاءة التعبير البروتيني.
4-3 تحسين إدارة التجارب السريرية
منصات TriNetX وMedidata وظّفت نماذج تعلّم آلي لتحديد المواقع الجغرافية ذات معدلات إصابة مرتفعة، ما سمح بتجنيد أسرع للمرضى وتقليل زمن المرحلة الثالثة.
4-4 التنبؤ بتطوّر المتحورات
شبكات Graph-based على بيانات GISAID تنبّأت بمسارات طفرية محتملة للبروتين Spike، وأنذرت مبكرًا من متحوّر «أوميكرون» ذي الارتباط العالي بالخلية البشرية.
5. البنية التحتية الحسابية الداعمة
5-1 الحوسبة الفائقة (HPC)
- مشروع Folding@Home وصل إلى قدرة حوسبية قياسية تجاوزت ExaFLOP لدراسة الديناميكيات البروتينية.
- Summit وPerlmutter قدّمت مئات آلاف نوى GPU لتحليل مكتبات جزيئية ضخمة في ساعات.
5-2 المنصّات السحابية الموحّدة
مبادرات مثل C3.ai COVID-19 Data Lake دمجت بيانات وبائية وجينومية وعاونية في مستودع موحّد؛ سهّلت الوصول لخوارزميات الباحثين عالميًا.
5-3 واجهات برمجيّات تطبيقية (APIs) مفتوحة
واجهات Kaggle COVID-19 Research وفّرت ملايين الأوراق العلمية المُهيكلة لتمكين نماذج الذكاء الاصطناعي من التنقيب النصي (NLP) واستخراج العلاقات الدوائية.
6. التحديات الأخلاقية والتنظيمية
- الخصوصية: تشفير البيانات السريرية وتطبيق التعلّم المُوزّع (Federated Learning) لتجنّب مشاركة البيانات الخام.
- التحيّز الخوارزمي: ضرورة تدريب النماذج على بيانات تمثّل تنوعًا جغرافيًا وعرقيًا لتجنّب نتائج مُنحازة سريريًا.
- قابلية التفسير (Explainability): تطلّب الجهات التنظيمية (FDA, EMA) فهم المنطق وراء توصيات النموذج قبل منح الموافقة.
- التكامل مع الأطر التقليدية: الحاجة إلى مزج الذكاء الاصطناعي مع الطرق المختبرية لضمان صحة المخرجات وعدم وقوع «إيجابيات زائفة» تؤخّر العملية بدل تسريعها.
7. دروس مستفادة لما بعد الجائحة
- آليات التعاون المفتوح بين القطاعين العام والخاص أثبتت أن مشاركة البيانات السريعة تقصّر زمن البحث الدوائي بصورة دراماتيكية.
- مرونة الأطر التنظيمية (Emergency Use Authorization) منحت مساحة لتجارب تكيفية مستندة إلى الذكاء الاصطناعي، ما ينبغي ترسيخه في تشريعات طويلة الأمد.
- الاستثمار المستدام في بنى البيانات الوطنية ضرورة لضمان الجاهزية الوبائية القادمة.
8. آفاق المستقبل
- نماذج التوليد المسؤولة لاقتراح جزيئات ذات محمولية حيوية عالية وتنبؤ مسبق بالسمّية.
- اندماج الذكاء الاصطناعي الكمّي (Quantum-AI) لتوسيع قدرة المسح الجزيئي إلى فضاءات كيميائية أوسع بمليون مرة.
- طب دقيق فائق التخصيص حيث تترجم الخوارزميات التباين الجيني للمريض إلى توليفة دوائية «خِياطية» خلال أيام.
- محاكاة النظم المتعدّدة المقاييس (Multi-scale) التي تربط الديناميكيات الجزيئية باستجابات الجهاز المناعي وتحاكي التجربة السريرية افتراضيًا قبل أول حقنة.
المزيد من المعلومات
تكمن الفكرة العامة وراء تصميم الأدوية المضادة للفيروسات الحديثة في تحديد البروتينات الفيروسية ـ أو أجزاء من هذه البروتينات ـ التي يمكن تعطيلها. وينبغي لهذه “الأهداف” بشكل عام أن تكون مختلفة عن أي بروتينات أو أي أجزاء من البروتينات البشرية، للحد من احتمالية ظهور آثار جانبية. غير أن هذه البروتينات يجب أن تكون مشتركة بين العديد من سلالات الفيروس، أو حتى بين الأنواع المختلفة للفيروسات التي تنتمي لعائلة واحدة، بحيث يكون لدواء واحد تأثير واسع النطاق. على سبيل المثال، قد يستهدف أحد الباحثين إنزيمًا مهمًا يتم تكوينه بواسطة الفيروس، وليس المريض، على أن يكون مشتركًا بين سلالات الفيروس، ثم ينظر فيما يمكن عمله لإيقاف نشاطه.
وبمجرد تحديد البروتينات المستهدفة، يمكن تصميم الدواء المرشح على المستوى الجزيئي بواسطة برامج الذكاء الاصطناعي .التي تعتمد على تقنيات التعلم الآلي و التعليم الآلي العميق deep machine learning algorithms
لكن مهمة برنامج الذكاء الاصطناعي ليست سهلة
فيجب أن تتوافر عدة بيانات و تقنيات أساسية ليعمل البرنامج و يبدأ في تصميم و اقتراح الأدوية
1- فيجب أن يتوافر للروبوت قواعد بيانات عملاقة تحتوى على تسلسل الجنيوم البشري مع توصيف لوظائف و مكونات و تسلسل كل بروتين و أكثر المعلومات الممكنة عن أهميته النسبية و علاقته بالبروتينات الأخرى و وظائفة
2- يجب أن يتوافر للبرنامج قواعد بيانات لأكبر عدد ممكن من الجراثيم و البكتيريا النافعة و غير النافعة التي تخالط الجسد البشري لمعرفة التسلسل الجيني و البروتيني الخاص بها للحرص على تصميم دواء لا يؤدي لتحفيز جراثيم ضارة أو قتل بكتيريا نافعة .
3- يجب توفير قواعد بيانات تحليلية دقيقة لتسلسل الجيني للفيروس المراد تخليج علاج مضاد له مع تحليل لكل فصائله و أقرب الفيروسات تشابها معه و فئات الفيروس لدراسة الاختلافات الجينية بينها و معرفة سبب اختلاف النسخة الجديدة في سرعة الانتشار .
4- وضع وظائف البروتينات و آلايات علمها و مسالب توقفها لتوقع النتائج
و أخيرا نحن أمام داتا عملاقة فيحتوي الجينوم البشري علي حوالي ثلاثة مليارات زوج من القواعد التي تكون حوالي 25 ألف جين
و التي تنتج بدورها عددا أكبر من RNA المكون و المصنع لتراكيب آلالاف التراكيب البروتينية و الإنزيمية المعقدة
بالإضافة لبيانات تكوين الفيروس و تحليل شيفرته الوراثية و الغشاء البروتيني المكون له و طريقة عمله و الإنزيمات التي يستعملها
تكمن المشكلة في التشابك المهول بين الفيروس و الجسد البشري في آلايات عمله و على روبوت الذكاء الاصطناعي إيجاد الإنزيم أو البروتين المناسب الذي يميز الفيروس عن الجسد البشري بأقل أضرار ممكنة
لكم أن تعرفوا أن تعقيد نظام الخلية البشرية يمثل تعقيد عدد الأجرام السماوية لمجرة كاملة تحتوي على مليارات النجوم و تعمل في نسق منظم و معقد و متشابك جدا
فعلى النظام إجراء تحليلات اجصائية جبارة للوصول إلى الحل الأمثل وفق البيانات المتوافرة لديه
هذا ويمكن بعد اقتراح الطريقة المثلى لتصميم مضاد الفيروس الأمثل الذي يستهدف عمل الفيروس في أحد مراحل دورات حياته
يمكن تصنيع البروتينات المستهدفة معمليًا لاختبار العلاجات المقترحة، وذلك بواسطة إدراج الجين الذي يقوم بتكوين البروتين المستهدف في البكتيريا أو أنواع أخرى من الخلايا. وبعد ذلك، يتم عمل مزارع للخلايا لإنتاج البروتين بكميات كبيرة، والتي يمكن بعد ذلك تعريضها لأدوية مختلفة وتقييم مفعول هذه الأدوية عن طريق تقنيات “الفحص السريع”.
خاتمة
استطاع الذكاء الاصطناعي—ضمن تضافر غير مسبوق للعلوم الحياتية والحوسبة—أن يحطم حاجز الزمن التقليدي لإيجاد علاجات ولقاحات ضد فيروس كورونا. من فحص ملايين الجزيئات افتراضيًا في أيام، إلى توقع بنى بروتينية بدقة لم تُشهد من قبل، إلى توجيه التجارب السريرية بخوارزميات تكيّفية؛ أصبحنا أمام مشهد دوائي جديد يعتمد على نماذج معقدة تستوعب كنزًا من البيانات وتحوّله إلى معرفة قابلة للتطبيق. ومع استمرار الاستثمار في البنية التحتية للبيانات والحوسبة، يُتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي حجر الزاوية في أي استجابة وبائية مقبلة، مُختصرًا سنوات البحث إلى أشهر أو حتى أسابيع، ومنقذًا حياة ملايين البشر.
المراجع
- Jumper, J. et al. (2021). Highly accurate protein structure prediction with AlphaFold. Nature 596: 583–589.
- Zhavoronkov, A. et al. (2020). Artificial intelligence for drug discovery in COVID-19. Drug Discovery Today 25(9): 1731–1738.
- Huang, C.-L. et al. (2020). Clinical features of patients infected with 2019 novel coronavirus. Lancet 395(10223): 497–506.
- Taylor, D. et al. (2021). Using supercomputers to fight COVID-19: potentials and challenges. Computers in Biology and Medicine 130: 104208.
- BenevolentAI (2020). Baricitinib as potential treatment for COVID-19. Science Translational Medicine 12(564): eabc6127.
تم إنشاء هذا المحتوى وفق أفضل الممارسات العلمية والبحثية حتى تاريخ مايو 2025، ويعتمد على مصادر محكّمة ومتخصصة.