رغم أن قراصنة الإنترنت ينتشرون حول العالم بشكر كبير ويعملون في أحيان كثيرة بصفة فردية، إما لتحقيق مكاسب مادية وأهداف خاصة، أو من أجل مصلحة عامة، فهناك في المقابل قراصنة يتكاتفون معا ليشكلوا باتحادهم مجموعات قرصنة على درجة كبيرة من الخطورة، وقد تكون دوافعهم ذاتية وربما تحركهم توجهات سياسية أو جهات حكومية.
وتعد مجموعة “أنونيموس” (المجهولين) أشهر هذه المجموعات، وهي تتألف من عدد كبير جدا من القراصنة المنتشرين حول العالم، والتي أصبحت ذات ثقل كبير في ما يسمى “الحرب الإلكترونية”، ونفذت العديد من الهجمات المؤثرة.
ومن أبرز هجماتها تسريب آلاف رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالرئيس السوري بشار الأسد، ومهاجمة مواقع حكومية أميركية وبريطانية وأخرى للناتو، إلى جانب مهاجمتها مواقع إلكترونية حكومية إسرائيلية في كل مرة تشن فيها إسرائيل عدوانا عسكريا على قطاع غزة.
موقع إذاعة “بي بي سي” على تويتر كان ضمن المواقع التي اخترقها قراصنة الأسد
(أسوشيتد برس)
الجيش الإلكتروني السوري
مجموعة من القراصنة اكتسبت حضورا على الساحة الدولية بعد بزوغ نجم الثورة السورية، لكن هؤلاء القراصنة يدينون بالولاء للحكومة السورية، ويستهدفون أي مواقع إلكترونية لا تتفق مع آرائهم، أو يرون أنها معادية للنظام في سوريا، أو أنها تدعم الثورة الشعبية.
وينسب للمجموعة نجاحها في اختراق عشرات المواقع الإلكترونية الإخبارية الشهيرة مثل موقع الجزيرة نت ووكالة أسوشيتد برس الأميركية ووكالة رويترز وصحيفة فايننشال تايمز البريطانيتين، وموقع منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية، وحتى موقع شركة البرمجيات مايكروسوفت، وغيرها الكثير.
ويعتبر الجيش الإلكتروني السوري أول جيش افتراضي في العالم العربي يشن بشكل صريح هجمات إلكترونية على خصومه.
الجيش الإيراني الإلكتروني
مجموعة قراصنة تشكل الذراع الهجومية في قوة إيران الإلكترونية، حيث تمكنت هذه المجموعة من شن عدد من الهجمات الناجحة، منها اختراق موقع التدوين الأميركي المصغر “تويتر” في ديسمبر/كانون الأول 2009، وعرض رسالة ذات توجهات سياسية جاء فيها “تعتقد الولايات المتحدة أنها تتحكم وتدير الإنترنت لكنها لا تفعل، نحن من يتحكم ويدير الإنترنت بقوتنا“.
كما اخترقت المجموعة ذاتها في يناير/كانون الثاني 2010 خدمة البحث على الإنترنت لمحرك البحث الصيني الشائع “بايدو”، فكان يتم تحويل مستخدمي محرك البحث إلى رسالة سياسية إيرانية.
وحدة جيش التحرير الشعبي الصيني 61486
وهي وحدة تابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني ومقرها شنغهاي، يعتقد أنها مصدر العديد من هجمات الاختراق ضد شبكات حواسيب ومواقع إلكترونية، في إطار محاولات الصين سرقة أسرار تجارية وعسكرية من أهداف أجنبية.
وفي عام 2014، اتهم تقرير لشركة “كراودسترايك” الأميركية لأمن المعلومات هذه الوحدة باستهداف قطاعات الفضاء والاتصالات الأميركية وتطبيقات حاسوب إنتاجية معروفة، مثل “أدوبي ريدر” و”مايكروسوفت أوفيس” بهدف نشر برامج خبيثة عبر هجمات على البريد الإلكتروني.
ليزارد سكواد
وهي مجموعة قراصنة عرفت باستهدافها خدمتي “بلايستيشن نتوورك” و”إكس بوكس لايف” الإلكترونيتين خلال عطلة عيد الميلاد 2014، وتسبب هجومها -وهو من نوع “الحرمان من الخدمة الموزع”- في حرمان الملايين من هواة ألعاب بلايستيشن وإكس بوكس من استخدام الخدمة على الإنترنت لعدة أيام.
وكانت المجموعة قالت إن هجومها كان من أجل “التسلية”، لكن يبدو أنه تحول لاحقا إلى فرصة لترويج خدمة مدفوعة الثمن من خلال أداة تتيح لمن يرغب في تعطيل أي موقع إلكتروني لفترة من الزمن.
مجموعة من أصدقاء معتقلين في مجموعة ردهاك التركية يطالبون بالعدالة لهم (غيتي)
مجموعات أخرى
إلى جانب المجموعات السابقة، هناك العديد من مجموعات القراصنة، منها ما ظهر ثم اندثر، ومنها ما استمر لكن بشكل أقل بروزا من الفترة التي اشتهر فيها، ومن هذه المجموعات:
ردهاك
وهي مجموعة قراصنة مقرها تركيا تأسست عام 1997، تشن عادة هجمات ضد مواقع إلكترونية تابعة للحكومة التركية وتسرب وثائق سرية للحكومة التركية.
هنكر يونيون
وهي مجموعة معروفة بنشاطها في القرصنة، مقرها الصين، أطلق أعضاؤها سلسلة من الهجمات على مواقع إلكترونية -أغلبها حكومية- داخل الولايات المتحدة.
نادي فوضى الحاسوب
تشكل في برلين سنة 1981، وله قواعد في ألمانيا ومناطق أخرى من العالم، واشتهر باختراقه خدمة للفيديو التفاعلي تتبع مكتب البريد الألماني، وكذلك اختراقه بنكا في هامبورغ وسرقة 134 ألف مارك ألماني قبل أن يعيد المبلغ كاملا في اليوم التالي، معلنا أن هدفه كان إثبات ضعف الأمن في شبكة الحاسوب.
يستخدم قراصنة الإنترنت أساليب عديدة لاختراق أو تعطيل شبكات الحاسوب المستهدفة، وقد يكون ضرر بعض هذه الأساليب محدودا يقتصر على سرقة معلومات محددة من حاسوب مستهدف، وقد يكون مدمرا يؤدي إلى تعطيل شبكة بأكملها وتسريب بيانات مستخدميها وبريدهم الإلكتروني.
ومن أبرز أساليب القراصنة لتعطيل شبكات الحاسوب ما يعرف بهجوم الحرمان من الخدمة (Denial-of-service) أو الحرمان من الخدمة الموزع (DDoS) وهي هجمات تستهدف عادة مؤسسات حكومية أو شركات كبرى كالبنوك مثلا، وهدفها جعل جهاز أو شبكة حاسوب غير متاحة للمستخدمين المستهدفين، أي حرمانهم من الخدمة التي تستضيفها خوادم الشبكة.
ولا تقتصر هجمات الحرمان من الخدمة على الأساليب المعتمدة على الحاسوب، بل قد تتحول إلى هجمات فيزيائية حقيقية ضد البنية التحتية مثل قطع أسلاك الاتصالات في قاع البحر، والذي قد يؤدي إلى شلل في خدمات الإنترنت في بعض المناطق أو الدول.
ووقعت أحدث هجمات الحرمان من الخدمة في عطلة عيد الميلاد الماضي، حيث استهدفت مجموعة قراصنة تطلق على نفسها اسم “ليزارد سكواد” خوادم شبكتي “بلايستيشن نتوورك” التابعة لسوني، و”إكس بوكس لايف” التابعة لمايكروسوفت، وتم تعطيل الشبكتين وحرمان مستخدميهما من خدماتهما لعدة أيام.
خبير أمني في مايكروسوفت يستعرض خارطة توضح الاهتمام العالمي بشبكات “البوتنت” الخبيثة (رويترز)
بوتنت (Botnet)
وهي كلمة مركبة من “روبوت” و”نتوورك”، وتعني بالتالي “روبوت الشبكة”، وهي إحدى أبرز الوسائل المستخدمة في هجمات الحرمان من الخدمة الموزعة.
و”بوتنت” عبارة عن مجموعة البرمجيات الخبيثة المتصلة بالإنترنت التي تتواصل مع برامج أخرى شبيهة، بهدف أداء مهام معينة، وقد تكون المهمة عادية مثل التحكم بقناة الدردشة على الإنترنت (IRC)، أو خبيثة مثل استخدامها لإرسال بريد إلكتروني غير مرغوب فيه (سبام)، أو المشاركة في هجمات الحرمان من الخدمة الموزعة، لكنها عادة ما ترمز إلى الجانب الخبيث.
الاصطياد بالرمح (Spear phishing)
وهو نوع من أنواع هجمات الاصطياد التي تركز على مستخدم واحد أو دائرة داخل منظمة، يتم شنها من خلال انتحال هوية جهة جديرة بالثقة لطلب معلومات سرية، مثل أسماء تسجيل الدخول وكلمات المرور.
وغالبا ما تظهر هذه الهجمات على شكل رسالة إلكترونية من الموارد البشرية للشركة أو أقسام الدعم الفني فيها، وقد تطلب من الموظفين تحديث اسم المستخدم وكلمات المرور الخاصة بهم، وبمجرد حصول المخترق على تلك البيانات فإنه يستطيع الولوج إلى مصادر الشبكة.
وهناك نوع آخر من هجمات الاصطياد بالرمح التي تطلب من المستخدمين النقر على رابط، وعند النقر عليه يؤدي إلى نشر برمجية تجسس خبيثة يمكنها سرقة البيانات.
دودة الحاسوب (Computer Worm)
وهي برامج حاسوب خبيثة صغيرة قائمة بذاتها قادرة على استنساخ برمجيتها من أجل الانتشار إلى حواسيب أخرى، وعادة تستخدم شبكة حاسوب لنشر نفسها معتمدة على أخطاء أمنية في الحاسوب المستهدف للوصول إليه.
وعلى عكس فيروس الحاسوب، لا تحتاج الدودة لأن ترفق نفسها ببرنامج موجود كي تنتشر. وهي تسبب عادة بعض الضرر للشبكة حتى لو كان ذلك باستهلاك عرض النطاق الترددي، في حين أن الفيروسات تعمل دائما تقريبا على إفساد أو تعديل الملفات المستهدفة.
وقد تستغل الدودة للقيام بأعمار تخريبية أو لسرقة بيانات خاصة ببعض المستخدمين أثناء تصفحهم الإنترنت، أو إلحاق الضرر بهم أو بالمتصلين بهم. وعادة يصعب التخلص منها نظرا لسرعة انتشارها وقدرتها على التلون والتناسخ والمراوغة.
ومن أمثلة هذه الدودة “دودة موريس”، التي تعتبر أول دودة حاسوب تنتشر عبر الإنترنت أطلقها طالب جامعي أميركي عام 1988 لمعرفة “مدى ضخامة الإنترنت”، ورغم أن هدفه لم يكن خبيثا، فإن الشفرة ضمت عيوبا تسببت في مشاكل في استقرار الأنظمة المصابة لدرجة جعلها غير قابلة للاستخدام، وكانت النتيجة تعطيل نحو ستة آلاف حاسوب يونيكس في الولايات المتحدة، وأضرارا تراوحت بين عشرة ملايين ومائة مليون دولار.
دودة حاسوب “كود رد” انتشرت عام 2001 (غيتي-أرشيف)
حصان طروادة (Trojan Horse)
وهي شفرة برمجية صغيرة، وهي ليست فيروسا أو دودة حاسوب، لأنها لا تكرر ذاتها على النظام المحلي أو عبر شبكة الحاسوب، وإنما يتم إرفاقها مثلا برسالة بريد إلكتروني أو مع برنامج ذي شعبية عالية، وتقوم ببعض المهام الخفية لمنح المخترق حقوقا مميزة على النظام، في حين تتنكر كأنها برنامج سليم.
بمعنى آخر، تفتح شفرة حصان طروادة “بابا خلفيا” في الحواسيب المستهدفة لتحولها إلى مسرح للمتسللين الذين يسعون للحصول على وصول غير مصرح به إلى الجهاز المستهدف، أي اختراقه، بهدف سرقة البيانات أو حذفها أو إرسال رسائل بريد إلكتروني باسم المستخدم أو حتى السيطرة على الشبكة بأكملها.
من أمثله أحصنة طروادة “ستورم” الذي ظهر عام 2007، واخترق آلاف الحواسيب، وكان يأتي على شكل ملف مرفق برسالة بريد إلكتروني عنوانها ملف مثل “230 قتيلا في عاصفة تضرب أوروبا”، وبمجرد فتح الملف المرفق يزرع حصان طروادة خدمة تدعى “وينكوم32” تنتقل إلى حواسيب أخرى عبر الشبكة ليتحول كل حاسوب إلى “بوت” -الذي تم ذكره سابقا- في خدمة هدف خبيث.
ومن البرمجيات الخبيثة أيضا:
رانسوم وير: نوع من البرمجيات الخبيثة التي تقيد الوصول إلى نظام الحاسوب الذي تصيبه، وتطالب بـ”فدية” تدفع لصانع البرمجية لإزالة هذا القيد.
آدوير: برمجية خبيثة تولد إعلانات بشكل تلقائي على جهاز المستخدم أثناء تصفح الإنترنت من أجل تحقيق ربح مادي لصانعها.
سبايوير: برمجية خبيثة تساعد في جمع معلومات عن شخص أو منظمة دون علمهم، وترسل تلك المعلومات إلى طرف آخر دون موافقة المستخدم، أو تؤكد سيطرتها على جهاز حاسوب دون علم صاحبه.
بداية القرصنة
لا يمكن فعليا تحديد الفترة الزمنية لأول عملية قرصنة ، وذلك لأن مفهوم القرصنة قديما لم يكن يعني مجرد قرصنة شبكة حاسوب أو موقع إلكتروني، وإنما كان قرصنة أي جهاز لتحقيق هدف خاص يسمى قرصنة، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن عام 1903 شهد أول عملية قرصنة في التاريخ، تطورت القرصنات بعدها لتصل إلى حد الحروب الإلكترونية.
في عام 1903 كان الفيزيائي جون أمبروز فلمنج يستعد لعرض إحدى العجائب التكنولوجية المستجدة وهي نظام تلغراف لاسلكي بعيد المدى ابتكره الإيطالي جوليلمو ماركوني، في محاولة لإثبات أن رسائل شفرة مورس يمكن إرسالها لاسلكيا عبر مسافات طويلة، وكان ذلك أمام جمهور غفير في قاعة محاضرات المعهد الملكي الشهيرة بلندن.
وقبل بدء العرض بدأ الجهاز ينقر مكونا رسالة، كانت في البداية كلمة واحدة ثم تحولت إلى قصيدة ساخرة بشكل غير لائق تتهم ماركوني “بخداع الجمهور”، فقد تم قرصنة عرض ماركوني وكان المخترق هو الساحر والمخترع البريطاني نيفيل ماسكيلين الذي قال لصحيفة تايمز إن هدفه كان كشف الثغرات الأمنية من أجل الصالح العام.
في عام 1932 تمكن خبراء التشفير البولنديون ماريان ريجيوسكي وهنري زيجلاسكي وجيرزي روزيكي من فك شفرة جهاز إنيغما الذي استخدمه بشكل خاص الألمان خلال الحرب العالمية الثانية لإرسال واستقبال رسائل سرية.
في عام 1971 ابتكر جون درابر -الملقب بكابتن كرنتش- وصديقه جو إنغريسيا الصندوق الأزرق الذي استخدماه للتحايل على نظام الهاتف وإجراء مكالمات هاتفية بعيدة المدى مجانا.
-
سيتي بنك كان ضحية إحدى أكبر عمليات القرصنة الإلكترونية (غيتي)
الثمانينيات والتسعينيات
-
ونقفز إلى عام 1981 حيث تشكلت مجموعة قراصنة “نادي فوضى الحاسوب” في ألمانيا، ومجموعة “أسياد البرامج” (وير لوردز) في أميركا التي تتألف من العديد من المتسللين المراهقين ومخترقي الهاتف والمبرمجين والعديد من قراصنة الحاسوب الذين يعملون في الخفاء.
-
في عام 1988 ظهرت “دودة موريس” -إحدى أوائل ديدان الحواسيب المعروفة التي أثرت في البنية التحتية للإنترنت وانتشرت في الحواسيب وعلى نطاق واسع داخل الولايات المتحدة، واستغلت الدودة نقطة ضعف في نظام يونيكس “ناون 1” واستنسخت ذاتها بانتظام وتسببت بإبطاء أداء الحواسيب لدرجة عدم القدرة على استخدامها.
وعند اعتقال مطور هذه الدودة روبرت تابان موريس أصبح أول قرصان يدان تحت قانون “احتيال الحاسوب وإساءة الاستخدام”، وهو الآن أحد القراصنة الأخلاقيين (أصحاب القبعات البيضاء) حيث يعمل بروفيسورا في معهد ماساتشوستس التكنولوجي.
وفي صيف عام 1994 تمكن قرصان روسي يدعى فلاديمير ليفين من قرصنة بنك “سيتي بنك” الأميركي وتحويل عشرة ملايين دولار من حسابات عملاء إلى حساباته الشخصية في فنلندا وإسرائيل مستخدما حاسوبه المحمول. حكم عليه بعد اعتقاله بالسجن ثلاث سنوات، واستعادت السلطات كافة المبلغ المسروق باستثناء أربعمائة ألف دولار.
-
أنونيموس تبنت مسؤولية العديد من الهجمات التي استهدفت مواقع إنترنت إسرائيلية (غيتي)